طبيعة النفس أنها أمارة بالسوء قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:7-10].
طبيعة النفس العيش في صراع بين الخير والشر , فإما أن ننتصر عليها بالتقوى أو تهزمنا بالمعاصي والمنكرات , ويظل هذا الصراع إلى أن نلقى الله عز وجل.
وللإنسان لحظات ضعف وقوة , وتأتي مواسم الخير كي تثبتنا وتعيننا على التقوى وفعل الخيرات وترك المعاصي والآثام , ومن أهم هذه المواسم والمناسبات والمنح الربانية شهر رمضان الكريم , فيه تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار كما أخبرنا الصادق المصدوق.
وقد كان لنا في رمضان أعظم فرصة كي نجاهد النفس ونحثها على عمل الطاعات وترك المنكرات وفعل الخيرات , ولم تكن لنا حجة لنا فقد سلسلت الشياطين وقيدها الله بقدرته.
وهاهو رمضان يمر وتنقضي أيامه , فيفوز من جاهد نفسه ويخسر من غلبته نفسه فاتبع هواها , وبقي لنا العمر الباقي , فإما نحسن فيما بقي فيغفر لنا ما قد سبق أو نسىء فيما بقي فنؤخذ بما بقي وما سبق.
فعلينا أن نجاهد أنفسنا ليل نهار ونستفيد من تلك المنحة الربانية التي تستمر بعد رمضان تلكم هي منحة قبول توبة , وكي ندخل فيمن شملهم الله بوعده الذي لم يحدد له وقتا ولا حينا , قال تعالى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} العنكبوت:69
لقد جاهدوا في الله ليصلوا إلى مرضاته , تحملوا عناء الطريق وصبروا على الطاعة كما صبروا على البعد عن المعصية , صبروا على فتنة النفس، و الناس , والمال.
فحق لهم ألا يتركهم الله وحدهم، ولن يضيع إيمانهم ولن ينسى جهادهم ,فيجازيهم خير الجزاء وخير الهداية , ويكون لهم خير معين وينعم عليهم أن يجعلهم من المحسنين.
وهناك خطوات لازمات لمن أراد أن يتعلم كيف يجاهد نفسه طوال عمره:
1- إحياء حب الله تعالى في القلوب وتوقيره حتى يكون أقوى من حب النفس والأهل والمال والولد , وذلك لا يكون إلا باتباع ما أمر الله به والبعد عما نهى عنه , وبإقام الصلاة والمحافظة عليها في أوقاتها , وقراءة القرآن والمداومة عليه , والتمسك بحبل الله المتين.
قال تعالى: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} التوبة 24
2- حب الرسول وتقديمه على النفس وهواها , قال تعالى: " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم " آل عمران:31
عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يُؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به) ، حديث صحيح
3- الخوف من الّله تعالى ومراقبته في كل العمل سرا وعلانية , قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (قّ:18). .
وإذا خلوت بريبة في ظلمة *** والنفس داعية إلى الطغيان
فاستحي من نظر الإله وقل لها *** إن الذي خلق الظلام يراني
قال ابن القيم رحمه الله في " مدارج السالكين ": " ومن راقب الله في خواطره؛ عصمه الله في حركات جوارحه. . قال أحدهم: والله إني لأستحي أن ينظر الله في قلبي وفيه أحد سواه. ."
4- قوة الإرادة والعزم على عدم اتباع الهوى والشيطان والاستعانة بالله على مجاهدة النفس وهواها , والمثابرة على الطاعة , ومحاسبة النفس على الأقوال والأفعال والخواطر , قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: {حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزن فإنه أهون عليكم في الحساب غدًا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية}
5- تذكر الموت وكربته والقبر ووحشته والملكان وسؤالهما ,وتذكر الحساب والجنة والنار, فعلينا الاستعداد قبل الرحيل والتوبة قبل الممات.
فمتى كان العبد شديد المحاسبة لنفسه، مداومًا على التوبة والاستغفار مما يجده من التقصير والتفريط في جنب الله، كان أقرب إلى الثبات عند الموت، وأبعد عن الفتنة وشدة البلاء.
كان عمر بن الخطاب يقرب المصباح من يديه ويضع أصابعه عليه فتلسعه نار السراج وهي نار ضعيفة خفيفة فيقول: يابن الخطاب ألك صبر على مثل هذه؟ ؟!! فكيف بنار الآخرة؟ ونار الدنيا جزء من سبعين جزء من نار الآخرة.
ومن منح الصوم والصبر في سبيل تقوية جهاد النفس أن يكون العبد حرا من سائر العبوديات فيخلص بالعبادة والعبودية إلى الله وحده ,
لا أن يكون عبدا لشهواته وأهوائه: قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} (الجاثـية:23).
الكاتب: سلوى عبد القادر
المصدر: موقع المسلم